تقابلنا في حياتنا أبواب متعددة وكثيرة، البعض منها مفتوح والكثير منها موصد بأقفال الجهل وقلة العلم، وهذه الأبواب الموصدة تحتاج إلى مفاتيح لتفتح بها.
وتلك المفاتيح هي الكتب التي نقرأها، فتأكد أنه في كل صفحة من صفحات أي كتاب ستقرؤه ستجد مفتاح يفتح لك باب من تلك الأبواب الموصدة.
وفي كل حرف من كتاب تتصفحه حياة أخرى تعيشها، فكما قال أحد العباقرة حينما سئل: لماذا تقرأ كثيراً؟
فقال: ( لأن حياة واحدة لا تكفيني !! )، وقال آخر ( الإنسان القارئ تصعب هزيمته ).
والقراءة مهارة يجب على كل مسلم أن يجيدها.
فكفى أن نذكر أن أول آية نزلت على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – كانت تحضه على القراءة رغم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولكنها رسالة موجهة إلى أمته من بعده.
قال تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } العلق:1 ، وقال تعالى أيضًا { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } محمد: 19؛ فالعلم هنا جاء قبل العمل.
وكان هذا هو حال أسلافنا فهذا الجد ابن تيمية كان إذا دخل الخلاء يقول لعبد الرحمن بن تيمية: « اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع » .
لذا يقاس مدى تقدم الأمم بمدى ما يقرأه أفرادها من كتب، ففي دراسة حديثة أجريت على طلاب دول متعددة منها أمريكا والسعودية.
جاء في الدراسة أن الطالب الأمريكي يقرأ حوالي 13 كتاب خارج المقررات الدراسة المخصصة له كل عام، بينما الطالب السعودي يقرأ 15 صفحة في العام كله!
متى نبدأ بتعويد أطفالنا على القراءة؟
يتحتم على الوالدين غرس هذه المهارة في نفوس أطفالهم منذ الصغر.
ولكن يتبادر سريعًا إلى أذهاننا سؤال ُملح وهو؛ هل للقراءة سن معين نبدأ مع الطفل فيه؟ ..
والواقع والدراسات يؤكدان على أن السن ليس عامل مهم في تلك النقطة، فيمكن لنا أن نحبب الطفل في القراءة من سنين عمره الأولى.
فالطفل مع بداية شهره الخامس يظهر اهتمامه بالكتب التي تحتوي على صور ملفتة للنظر وألوان زاهية، لذا يمكن للأم وضع مجلة بها صور مبهجة لجذب انتباه الطفل نحو الورق وطريقة الإمساك به.
ثم يتطور الأمر قليلا بين سن الثانية والرابعة لحب الطفل للقصص القصيرة.
وهنا تكون للصورة معاني لدى الطفل يشعر بها، وبعد الرابعة وحتى السادسة تبدأ الحروف تتداخل لتكون لنا كلمات مبسطة، للتداخل هي الأخرى مع الصور لكي توصلنا في النهاية لطفل لديه شغف ويحب القراءة.
لماذا القراءة؟
للقراءة فوائد كثيرة ومتعددة بالنسبة إلى الطفل ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- هي الوسيلة الأولى والأكثر فاعلية للاستزادة من المعلومات والتحصيل الدراسي، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن نحو 70% مما يتعلمه المرء يرد إليه عن طريق القراءة.
- القراءة هامة جدًا في تنمية ذكاء الطفل وتوسيع مداركه.
- وسيلة لاستكشاف ما حوله في سنين عمره الأولى، عن طريق موسوعات الأشياء واستخداماتها.
- وسيلة لتنمية الثروة اللغوية للطفل، وتحسينها وتجويدها.
- وسيلة هامة تساعد على إكساب الطفل قيم وأخلاقيات؛ وذلك من خلال السياق الذي يقرأه والشخصيات، فترسخ في عقل الطفل الباطن وتصبح معايير أخلاقية وقيم يتمسك بها في المستقبل.
- وسيلة لكي يتعرف الطفل على المجتمع المحيط به، وطرق التعامل مع الغير.
- وسيلة لزرع حب الاستطلاع لدى الطفل، وتنمية قدراته الإبداعية والفكرية.
- وسيلة إجادة الكتابة، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الضعف في القراءة يؤدي إلى الضعف في الكتابة أيضًا! ولكي يتقدم الطالب في عملية الكتابة عليه أن يتقن أولاً المهارات القرائية.
كيف نحبب أطفالنا في القراءة؟
من خلال النقاط التالية سنحاول توضيح كيف نستطيع ربط أطفالنا بالقراءة بأسلوب سهل وبسيط :
1- لاشك أن اهتمام الوالدين أو أحد منهما بالقراءة يجعل علينا من السهل التأثير على الطفل ، فإنه يعطي للطفل قدوة وأسوة حسنة في حب القراءة.
وكذلك العمل على توفير مكتبة يمكن للطفل أن يجد فيها ما يشد ويجذب انتباهه هو الآخر عامل مهم قد يزيد من ربط الطفل بالقراءة منذ نعومة أظفاره، فيشب وهو صغير على منظر المكتبة والكتب.
2- يجب على الوالدين الاهتمام بتوفير الكتب التي تناسب أعمار كل طفل ؛ مع مراعاة أيضًا اهتمامات وميول كل منهم، فمثلا إذا كان الطفل يهوى الكمبيوتر والإنترنت فسنحاول أن نوفر له كتب تتناول ذلك الجانب... وهكذا
3- التدرج القرائي مع الطفل فلا نكلفه ما لا طاقة له به، مما يجعله ينفر من فكرة القراءة.
4- تخصيص المكان والوقت الجيد للقراءة فلا يكون المكان وسط البيت فيتعرض الطفل لكم من المشتتات تلهيه عن إكمال القراءة، أو أن يكون الوقت وقت لعبه فنلزمه بالقراءةز
فلنجعلهم يختارون الأوقات التي تناسبهم، والأماكن التي يحبونها.
5- خصص لطفلك وقت تقرأ فيه معه، فقد أثبتت دراسات أجريت حديثاً علي الأطفال الذين يحرص والديهم علي القراءة لهم بانتظام.
أنهم يتعلمون القراءة بسهولة كبيرة وبسرعة أكثر بالمقارنة بالذين لا يقرأ أبائهم لهم، كما أنها وسيلة مهمة تعمل على ترسيخ العلاقة الحميمية بين الطفل ووالديه.
6- استغلال الفرص والمناسبات ، فمثلا إذا كان عيد الأضحى نحضر كتابًا عن قصة سيدنا وإبراهيم – عليه السلام – وتضحيته بابنه إسماعيل – عليه السلام – فداءًا للعقيدة.
7- نعمل على اصطحاب الطفل إلي معرض للكتاب ليختار ما يناسب سنه وميوله.
8- فليحرص الوالدين علي اصطحاب كتاب معهما عند الخروج من المنزل ، خاصة إذا كانا سيذهبان إلي مكان يحتاج منهما إلي الانتظار مثل زيارة الطبيب.
أطفالنا وقراءة القرآن:
فإذا كنا سنعمل على غرز حب القراءة في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، فالأولى لنا أن نغرس فيهم حب تلاوة وقراءة القرآن الكريم.
ونذكر بقوله – صلى الله عليه وسلم – في حثه على قراءة القرآن وتدبره قال - صلى الله عليه وسلم – :
( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم – : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ).
وهنا سنجد عقبة تجابهنا أثناء غرسنا حب قراءة القرآن في نفوس أطفالنا، وهي القول بأنهم – أي الأطفال – لا يفهمون الكثير ممن يقرؤونه من آيات القرآن الكريم، مما يصعب عليهم حفظه أو قرأته.
لذا سنؤخر هذا إلى أن يتقدموا في السن قليلا ويعوا ما يقرؤون.
ويقول الخبراء المتخصصين هنا أنه لا يوجد ما يسمي بوقت مبكر للقراءة للطفل؛ حتى ولو لم يكن في مرحلة عمرية تسمح له باستيعاب معاني الكلمات.
بل ويؤكد الباحثون من جامعة ميتشيجان أن مجرد سماع أصوات الوالدين، ومشاهدة حركاتهم، يوسع من مدركات الطفل ويجعله أكثر اهتماماً بالقراءة من غيره حتى في تلك السن المبكرة.
وسأسرد هنا قصة معبرة يمكن استخدامها لكي نوصل إلى أذهان أطفالنا أهمية قراءة القرآن حتى وأن لم نعيه، فكان هناك رجل يستيقظ كل يوم في الصباح الباكر ليجلس ليقرأ القرآن.
وكان حفيده يتمنى أن يصبح مثله في كل شيء، لذا فقد كان حريصًا على أن يقلده في كل حركة يفعلها.
وذات يوم سأل الحفيد جده: يا جدي إنني أحاول أن أقرأ القرآن مثلما تفعل، ولكنني كلما حاولت أن أقرأه أجد أنني لا أفهم كثيرًا منه، وإذا فهمت منه شيئاً فإنني أنسى ما فهمته بمجرد أن أغلق المصحف، فما فائدة قراءة القرآن إذا؟!
أثناء ذلك كان الجد يضع بعض الفحم في المدفأة، فتلفت بهدوء وترك ما بيده ثم قال: خُذ سلة الفحم الخالية هذه واذهب بها إلى النهر ثم ائتِني بها مليئة بالماء.
ففعل الولد كما طلب منه جده؛ ولكنه فوجئ بالماء كله يتسرب من السلة قبل أن يصل إلى البيت.
فابتسم الجد قائلاً له: ينبغي عليك أن تسرع آلي البيت في المرة القادمة يا بني، فعاود الحفيد الكرَّة وحاول أن يجري إلى البيت؛ ولكن الماء تسرب أيضًا في هذه المرة.
فغضب الولد وقال لجده: إنه من المستحيل أن آتيك بسلة من الماء.
فخرج الجد مع حفيده ليُشرف بنفسه على تنفيذ عملية ملء السلة بالماء، وكان الحفيد موقنًا بأنها عملية مستحيلة؛ ولكنه أراد أن يُري جده بالتجربة العملية.
فملأ السلة ماء ثم جرى بأقصى سرعة إلى جده ليريه وهو يلهث قائلاً: أرأيت؟
لا فائدة، فنظر الجد إليه قائلاً: أتظن أنه لا فائدة مما فعلت؟ تعال وانظر إلى السلة، فنظر الولد إلى السلة وأدرك للمرة الأولى أنها أصبحت مختلفة.
فلقد تحولت السلة المتسخة بسبب الفحم إلى سلة نظيفة تمامًا من الخارج والداخل.
فلما رأى الجد الولد مندهشًا قال له: هذا بالضبط ما يحدث عندما تقرأ القرآن الكريم! قد لا تفهم بعضه.
أو قد تنسى ما فهمت أو حفظت من آياته، ولكنك حين تقرؤه، تأكد أنك سوف تتغير للأفضل من الداخل والخارج.
وفي الختام يمكن للوالدين استخدام تفاسير بسيطة، ويشرحون ما أشكل على الطفل من كلمات، حتى يسهل حفظها.
دون التعمق في اللغة أو الشرح. مع ضرورة الاستعانة بأفلام كارتون حول قصص الأنبياء في القرآن، أو قصص الحيوان، أو أخلاق القرآن وما نحوه، لتحبيب الطفل في قراءة القرآن وربط ما يقرأه بما شاهده.
الكاتب: أ. معتز مصطفى شاهين
المصدر: موقع المستشار